بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
شطر المسجد الحرام
قال الله تبارك وتعالى : [قَدْ نَرَي تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوْا وُجُوْهَكُمْ شَطْرَهُ _الأية] البقرة:144.
قوله تعالى [شطر المسجد الحرام] الشطر له محامل : يكون الناحية والجهة كما فى هذه الأية وهو ظرف مكان كما تقول : تلقاءه وجهته (الجامع لأحكام القرآن 2/108)
قد روي ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الْبَيْتُ قِبْلَةٌ ِلأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةٌ ِلأَهْلِ الْحَرَامِ وَالْحَرَامُ قِبْلَةٌ ِلأَهْلِ اْلأَرْضِ فِي مَشَارِقِ اْلأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا مِنْ أُمَّتِي " (الجامع لأحكام القرآن 1/107) وأخرجه البيهقي فى سنـنه عن ابن عباس مرفوعا (تفسير آيات الأحكام للصابوني 1/89)
استقبال القبلة فرض من فروض الصلاة لا تصح الصلاة بدونه إلا فى صلاة الخوف والفزع وفى صلاة النافلة على الدابة أو السفيـنة فله أن يتوجّه حيث توجهت به دابته لما رواه أحمد ومسلم والترمذى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به وفيه نزلت (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) البقرة:115.وهذا لا خلاف فيه بين العلماء إنما الخلاف هل الواجب استقبال عين الكعبة أم استقبال الجهة؟ (تفسير آيات الأحكام 1/88)
اتفق المسلمون أن التوجه نحو البيت شرط من شروط صحة الصلاة لقوله تعالى (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أما إذا أبصر البيت فالفرض عندهم التوجه إلى عين البيت ولا خلاف فى ذلك أما إذا غابت الكعبة عن الأبصار فاختلفوا من ذلك (بداية المجتهد 1/80)
(مسألة ك) الراجح أنه لا بد من استقبال عين القبلة ولو لمن هو خارج مكة فلا بد من انحراف يسير مع طول الصف بحيث يرى نفسه مسامتا لها ظـنا مع البعد .
والقول الثاني : يكفى استقبال الجهة اي إحدى الجهات الأربع التي فيها الكعبة لمن بعد عنها وهو قويّ اختاره الغزالي وصححه الجرجاني وابن كج وابن أبى عصرون وجزم به المحلى قال الأذرعي : وذكر بعض الاصحاب أنه الجديد وهو المختار لأن جرمها صغير يستحيل أن يتوجه إليه أهل الدنيا فيكتفي بالجهة ولهذا صحت صلاة الصف الطويل إذا بعدوا عن الكعبة ومعلوم أن بعضهم خارجون عن محاذاة العين وهذا القول يوافق المنقول عن أبي حنيفة أن المشرق قبلة أهل المغرب وبالعكس والجنوب قبلة أهل الشمال وبالعكس وعن مالك أن الكعبة قبلة أهل المسجد والمسجد قبلة أهل مكة ومكة قبلة أهل الحرم والحرم قبلة أهل الدنيا (بغية المسترشدين ص 39 للسيد عبد الرحمن بن محمد بن حسين بن عمر المشهور)
واختلفوا هل فرض للغائب استقبال العين أو الجهة فمنهم من قال بالأول قال ابن العربي : وهو ضعيف لأنه تكليف لما لا يصل إليه ومنهم من قال بالجهة وهو الصحيح لثلاثة أوجه :
الأول: انه الممكن الذى يرتبط به التكليف
الثاني : انه المأمور به فى القرآن لقوله تعالى (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ) يعني من الأرض من شرق أو غرب (فَوَلُّوْا وُجُوْهَكُمْ شَطْرَهُ)
الثالث : ان العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعا انه أضعاف عرض البيت . (الجامع لأحكام القرآن 2/108)
وأصحابنا الشافعية يشددون ويقولون يجب على المصلى أن يستقبل القبلة بحيث لو مـد خيط من صدره إلى الكعبة يكون مستقيما وهذا فيه صعوبة ولكن الإمام الغزالى وشيخه الجوينى يقولان : تكفى الجهة وهو مذهب مالك للحديث [مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ] (شرح الياقوت النفيس للسيد محمد بن أحمد الشاطري 1/213).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
- (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) رواه ابن ماجة ومسلم والترمذى وقال : حديث حسن صحيح (أخرجه الترمذى فى المواقيت)
- (لاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلاَ بَوْلٍ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوْهَا وَلكِنْ شَرِّقُوْا أَوْ غَرِّبُوْا) أخرجه البخارى فى الوضوء وأخرجه مسلم فى الطهارة.
وهذا يدل على أن ما بينها قبلة (شرح الزركشى على متن الخِرقى 1/291)
لو كان واجبا قصد العين لكان حرجا وقد قال تعالى : [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّيْنِ مِنْ حَرَجٍ) الحج:78 , فإن إصابة العين شيء لا يدرك إلا بتقريب وتسامح بطريق الهندسة واستعمال الإرصاد فى ذلك فكيف بغير ذلك من طرق الإجتهاد ونحن لم نكلف الإجتهاد فيه بطريق الهندسة المبني على الإرصاد المستنبط بها طول البلاد وعرضها (بداية المجتهد 1/80)
حكمة التشريع :
استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة وفيه رمز إلى أننا كلـنا نحن المسلمين نتجه إلى جهة واحدة : وقلت فى منظومة اليواقت فى فن المواقيت :
لا شك أن الكعبة المعظمة #
قبلتـنا فى مكة المكرمة
وفى اتجاهـنا لتلك الجهة #
إشارة إلى اتحاد الوجهة
(شرح الياقوت النفيس 1/213)
- والله أعلم بالصواب-
جمع : الطالب محمد إحياء علوم الدين
Tidak ada komentar:
Posting Komentar